الصيام دورة صيانة وقائية سنوية للجسم، يفترض أن تتحول لممارسة صحية حياتية - تعزز العادات الصحية والغذائية.
الأبحاث تثبت أن أغلب مشكلات الأمراض تأتي من الطعام، والتوجيهات الشرعية تحثنا على عدم الإكثار من الأكل أكثر مما يحتاج الجسم ففي الحديث الشريف (ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه).
مثال حي لفوائد ضبط كميات الطعام يتمثل في قبائل الهونزا التي تعيش في شمال الهيمالايا لا يصابون بالأمراض ولا يعرفون مرض السكري ولا السرطان وتحمل النساء حتى عمر 65 بشكل طبيعي ويعيشون أكثر من 100 عام بصحة جيدة، والسبب الرئيس أن أكلهم طبيعي وقليل وأكثر ما يأكلون الفواكه الطازجة والمجففة مثل المشمش والزبيب.
الصيام فترة تدريبية لأجهزة الجسم لكي تتكيف بشكل منظم مع تقليل الأكل والاقتصاد فيه، فيحتاج المرء إلى أربعة أسابيع لتتكيف الأجهزة على النظام الغذائي والصحي، فإن استمر على نفس البرنامج الصحي وقلل في الغذاء سيجد نفسه في نهاية الشهر وقد تخلص من الكثير من السموم وضبط وزنه وتعود على الاقتصاد في الأكل يما يكفيه بلا نقص ولا زيادة.
هناك تغييرات كبيرة جداً تحدث في أجسامنا مع الصيام الفعال، الذي يتضمن نظاماً صحياً معتدلاً في الليل ونشاطاً معتدلاً في النهار، حيث تجري صيانة كاملة وتامة لجميع أعضاء وخلايا الجسم حسب نظام محكم وعجيب، نظام كلما فكرت فيه أجد نفسي عاجزاً عن تمام شكر الله على نعمه، فتجري عمليات حيوية كثيرة تتضمن النظافة والتخلص من السموم وإصلاح الخلايا المعطوبة وتغيير المستهلة وأقصد الخلايا النسيجية وخلايا الدم أيضاً بكل أنواعها.
أعضاء الجسم غير خاملة، بمعنى أنه لا توجد خلية من خلايا الجسم بلا عمل في أي وقت من تخليقها حتى وفاتها، فالصيام لا يعني إعطاء الجسم راحة وخمولاً، بل هو يعطي الجسم فرصة لصيانة خلاياه وأعضائه من تخليصها من السموم وإعادة ترتيب العناصر حسب حاجة الجسم وإعادة ضبط الأنزيمات الهاضمة والهرومونات التي تتحكم في عمل الجسم كله.
أهم عضو يحتاج للصيام ليمكنه من إجراء الصيانة الدورية هو الكبد، ففي الصيام السليم تزاد عمليات الهدم catabolism أكثر من عمليات البناء في التمثيل الغذائي، وبتقليل الغذاء الداخل للجسم وتقليل تناول المواد الضارة مثل الملونات والمواد الحافظة والسكر والمواد الصناعية والأغذية الملوثة بالمواد السامة والمبيدات والعناصر الثقيلة فإن الكبد يعمل مصيدة للمواد السامة المتراكمة في الجسم ويعمل كفلتر لتنقية الجسم منها وطرح تلك المواد الضارة في الأمعاء الدقيقة ومنها للأمعاء الغليظة ثم التخلص منها مع البراز أعزكم الله، ومع إعطاء الجسم راحة من تراكم تلك المواد الضارة بتقليل كميات الأكل التي تنهك الكبد يزداد نشاط الخلايا الكبدية في إزالة سمية كثير من المواد السامة، وبنهاية شهر رمضان يصل الكبد إلى المرحلة النهائية لتنقية الجسم وإصدار الشهادة الصحية بسلامة خلاياه. ولهذا تذكر أن تعطي جسمك فرصة لإصدار تلك الشهادة الصحية واسأل نفسك هل حصل جسمك على شهادة صحية للخلو من المواد السامة في رمضان الفائت؟ إن كان الجواب لا، فها هي الفرصة تتجدد لعمل تنظيف وتنقية جسمك فلا تفوتها.
برنامج الصيانة السنوي هذا يشمل كل الأعضاء بما فيها الهرمونات والإنزيمات فيتم معايرة كميتها وجودتها ومقدرة الخلايا المنتجة لها وتحديد جرعاتها حسب حاجة الجسم الآنية والمستقبلية، ويشمل أيضاً الجهاز المناعي والعصبي بل وحتى النفسي، فتخيل أن لديك جنوداً مرهقين بالواجبات القتالية طوال السنة وتحين إجازتهم السنوية لإعادة ترتيب وضعهم ولكنك تجبرهم على الاستمرار في العمل وتدخلهم حرباً جديدة وهم منهكين جسدياً ونفسياً، هل تتوقع تحقيق انتصارات بجيش منهك؟ أو حتى لاعبي كرة القدم الذين يدخلون في مبارات محلية طوال العام ثم تأتي فرصة لإعادة التشكيل للقاءات دولية مهمة ولكنك لا تعطي الفريق تلك الفرصة وتصر على الاستمرار في المباريات المحلية، هل تتوقع أن يحقق فريقك الانتصارات المنشودة؟
الجواب بالتأكيد لا، فأعد حساباتك ليكون هدفك صحة جسمك وليس التلذذ بالأطباق الرمضانية ذات الدهون والسكريات العالية.